أزمة في سوق العمل.. بطالة شباب بريطانيا تتفاقم مقابل ارتفاع توظيف المهاجرين
أزمة في سوق العمل.. بطالة شباب بريطانيا تتفاقم مقابل ارتفاع توظيف المهاجرين
كشف تقرير صادر عن مركز العدالة الاجتماعية في المملكة المتحدة أن نحو 948 ألف شاب بريطاني تراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا أصبحوا خارج التعليم أو العمل أو التدريب، فيما يُعرف بفئة "نيت"، وهي زيادة تقارب 200 ألف شاب منذ جائحة كورونا، ويثير هذا الرقم مخاوف متصاعدة من ضياع جيل كامل في ظل تراجع مشاركة الشباب في سوق العمل.
وبحسب ما أوردته صحيفة "التلغراف" البريطانية، السبت، أوضح التقرير انخفاض عدد الشباب البريطانيين العاملين بأجر في قوائم رواتب الشركات بنحو 49 ألفًا خلال السنوات الخمس الماضية، في وقت ارتفع فيه عدد المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي تحت سن 25 عامًا في سوق العمل بنسبة 315%، أي ما يعادل 258 ألف عامل إضافي بين يناير 2020 وديسمبر الماضي.
هذا التحول يعكس ميلًا متزايدًا لدى الشركات البريطانية، خصوصًا في قطاعات الضيافة والتجزئة، إلى توظيف المهاجرين على حساب الشباب المحليين، وهو ما عدّه باحثون سببًا جوهريًا في تفاقم أزمة البطالة.
ضرائب ومزايا تزيد التعقيد
ويشير التقرير إلى أن ارتفاع ضرائب الرواتب وزيادة مخصصات المزايا الحكومية ساهما في عزوف الشركات عن توظيف الشباب المحليين، في حين وجد أرباب العمل في العمالة المهاجرة خيارًا أقل تكلفة وأكثر مرونة في تلبية احتياجات القطاعات منخفضة الأجور.
اللورد بلانكيت، وزير التعليم الأسبق، دعا وزارة الخزانة إلى تبني مقترح "ائتمان القوى العاملة المستقبلية"، الذي طرحه مركز العدالة الاجتماعية، ويقضي بدعم الشركات عبر تغطية 30% من أجور الشباب من فئة "نيت"، ويرى بلانكيت أن هذا الإجراء يمكن أن يساعد نحو 120 ألف شاب على دخول سوق العمل، ويوفر عوائد ضريبية ومدخرات في الإنفاق الاجتماعي تُقدّر بـ765 مليون جنيه إسترليني.
وأضاف بلانكيت أن "ترك مئات الآلاف من الشباب عرضة للبطالة والمرض والعزلة طويلة الأمد سيكلف البلاد فاتورة اجتماعية واقتصادية باهظة"، محذرًا من تكرار سيناريوهات الماضي.
تأييد سياسي واسع
وزير المالية السابق السير جيريمي هانت أيد المقترح، مؤكدا أن استمرار الوضع الحالي "يهدد بخسارة جيل كامل من الطاقات الشابة"، في حين شدد التقرير على أن 250 ألف شاب بريطاني باتوا خارج سوق العمل بسبب المرض، أغلبهم يعانون من اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، كما تعيش فئة أخرى خارج المنظومة كلياً، لا تتلقى إعانات ولا ترتبط ببرامج حكومية، وغالباً ما تنحدر من أسر محدودة الدخل.
ودعا مركز العدالة الاجتماعية الحكومة البريطانية إلى المضي قدما في إصلاحات أعمق في نظام الرعاية، تتضمن تأجيل الحصول على "الائتمان الشامل" حتى ما بعد سن 22 عاما، ومراجعة استحقاقات بعض المزايا المرتبطة بالحالات النفسية الأقل حدة، بهدف إعادة دمج أكبر عدد من الشباب في سوق العمل بدل تركهم على هامش المجتمع.
تشكل قضية بطالة الشباب في بريطانيا تحديًا هيكليًا متجذرًا منذ عقود، لكنها ازدادت حدة بعد جائحة كورونا وما تبعها من تغييرات في سوق العمل، وفي الوقت ذاته، ازداد اعتماد الاقتصاد البريطاني على العمالة المهاجرة، خصوصًا بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، حيث انخفضت تدفقات العمال الأوروبيين التقليديين وفتح المجال أمام موجات جديدة من المهاجرين من آسيا وإفريقيا.
ويرى خبراء أن معالجة هذه المفارقة تتطلب سياسات مزدوجة: الأولى تشجع الشركات على الاستثمار في توظيف وتدريب الشباب المحليين، والثانية تعيد ضبط مسارات الهجرة بما يوازن بين حاجات السوق وحماية فرص العمل للسكان الأصليين، وبينما تتعالى الدعوات للإصلاح، تبقى المخاوف قائمة من أن تؤدي الأزمة إلى اتساع فجوة اجتماعية واقتصادية قد تضع بريطانيا أمام "جيل ضائع" بكل ما يحمله المصطلح من تداعيات.